الأحد، 20 أكتوبر 2013

الجهاد الروحي ضد الخطية أو حتمية الموت من أجل الحياة

للأب متى المسكين

أول تعامُل للمسيح مع خطية الإنسان كان على الصليب، إذ لَمَّا مات المسيح، مات بالجسد الذي أخذه منَّا وعليه كل خطايا الإنسان. فمات الإنسان العتيق وماتت خطاياه:
+ » عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه ليُبْطَل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية. «(رو 6:6)
فالذي صنعه المسيح في جسد البشرية العتيق، أعطى للكنيسة أن تصنعه فينا بسرِّ المسيح:
+ » أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته، فدُفِنَّا معه بالمعمودية للموت. «(رو 3:6و4)
لأن المبدأ اللاهوتي الذي يبني عليه بولس الرسول استلام كل أعمال المسيح كحقٍّ لنا، هو أننا بالإيمان والعماد باسم الثالوث نكون قد اتَّحدنا بالمسيح، فكل ما جَرَى للمسيح هو لنا.
تسأل: وما قيمة أننا قبلنا الموت الذي ماته المسيح من أجل الخطية في جسدنا؟ يقول بولس الرسول: «لأن الذي مات قد تبرَّأ من الخطية» (رو 7:6). وكيف يكون ذلك؟
الجواب: موت المسيح على الصليب أخذه من قِبَل السنهدريم ومحكمة الرومان وبموافقة الله الآب على أنه حامل خطايا، وبنفس الحُكْم الذي اعتبره الله أنه هو ذات الحكم الذي حَكَمَ به على آدم وذريته، لأنه كان بسبب خطيته.

فالمسيح باحتمال الحُكْم بالموت واللعنة على الصليب بذات جسد الإنسان ككل، يكون قد أوفى كل الحُكْم الذي وقع على الإنسان، على ذرية آدم، وخلَّصه من لعنة الخطية والموت.
وهكذا باتحادنا بالمسيح وقبولنا حُكْم الموت معه بالجسد على الصليب نكون قد أخذنا البراءة من حُكْم الله على آدم وذريته، وبالتالي نلنا الحياة معه:
+ «فإن كنا قد مُتنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه.» (رو 8:6)
ولكن موتنا مع المسيح هو هو أن » إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه ليُبْطَل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية «
فما هو واقعنا نحن الآن في هذا العالم؟
يقول بولس الرسول: «كذلك أنتم أيضاً احْسِبُوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية، ولكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا» (رو 11:6). وذلك على أساس ما قلناه سابقاً إن «إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه ليُبْطَل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية».
ما معنى هذا؟
معناه: إن الخطية أماتتنا مع المسيح مرة واحدة على الصليب، وقد قمنا أحياءً معه خليقة جديدة، كإنسان جديد؛ فلا يمكن بل ومستحيل أن تميتنا الخطية - ونحن كخليقة جديدة - مرة ثانية، لأننا قد صرنا أحياء مع المسيح لله بالجسد الجديد الذي للإنسان الجديد:
+ «عالمين أن المسيح بعد ما أُقيم من الأموات لا يموت أيضاً. لا يسود عليه الموت بعد. لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة.» (رو 9:6و10)
وما تمَّ للمسيح تمَّ في الواقع لنا. إذن، فقول القديس بولس شديد الوضوح، ويُعطي حقيقة إيمانية لاهوتية صادقة أنَّ:
1 - جسد الخطية قد أُبطِلَ سلطانه، إذ قد صار لنا الإنسان الجديد بسلطان الله. وسلطان الجسد العتيق وسلطان الإنسان الجديد يظهران بوضوح حينما يتدرَّب الإنسان الجديد ويصبح له سلطانٌ من الله فوق الجسد العتيق، وهذا يظهر حينما يُهان الإنسان ويُمتهن؛ فحينما يهم الجسد العتيق بالتذمُّر والرد ينبري الإنسان الجديد بسلطانه الروحي ويقمعه، فيهدأ ويصمت، وحينئذ يبتسم الإنسان ويفرح إذ قد انتصر: » فرحين في الرجاء «(رو 12:12)، » نُشتم فنُبارِك. نُضْطَهَدُ فنحتمل «(1كو 12:4). وهذا هو الجهاد ضد الخطية.
2 - نعتبر أنفسنا أمواتاً عن الخطية، وهذا بالنسبة للذين قبلوا الخليقة الجديدة ولبسوا الإنسان الجديد. فالخطية لا تؤثِّر في مَنْ لَبِسَ الإنسان الجديد ولا تُميته ثانية. لذلك حُسِبَت بالنسبة له فقط أنها
ماتت حتى وإن كانت تستطيع أن تعمل في الجسد العتيق للإنسان العتيق رغماً عن إرادة الإنسان الجديد، وحيث يصبح عملها في الإنسان العتيق كالضرب في جثَّة ميِّتة بالنسبة للإنسان الجديد العائش بالنعمة:
+ » أشكر الله بيسوع المسيح ربنا! إذاً أنا نفسي بذهني (الإنسان الجديد) أخدم ناموس الله، ولكن بالجسد (العتيق) ناموس الخطية. إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد (العتيق) بل حسب الروح (الإنسان الجديد). «(رو 25:7؛ 1:8)
وهذا هو الجهاد الروحي ضد الخطية. أما خطايا الإنسان العتيق، فبالاعتراف تُمحى ليصبح لنا “ضمير عدم خطية.” (عب 2:10)
3 - إن الخطية وموت الخطية لم يعودا قادرَيْن أن يستعبدانا ثانيةً، لأننا نحيا في المسيح، والمسيح ألغى الخطية وموت الخطية لنا في جسده.
ويزيد على ذلك بولس الرسول:
4 - «فإن الخطية لن تسودكم، لأنكم (بعد أن قمتم مع المسيح) لستم تحت الناموس بل تحت النعمة.» (رو 14:6)
هذا ما قدَّمه المسيح لنا بتجسُّده وموته على الصليب في جسد بشريتنا حاملاً خطايانا في جسده على الخشبة لكي يرفع عنَّا حكم الموت واللعنة، ويرفع عنَّا ظلمة الخطية وسلطانها القاتل، ذلك بإلباسنا الإنسان الجديد الذي يتجدَّد على صورة خالقه في البر وقداسة الحق؛ وهو في ذلك، مع الجسد الجديد، الخليقة الجديدة التي اقتنصها لنا بقيامته من بين الأموات في جسده، سلَّمنا أيضاً الجسد العتيق ذاته وهو في حالة شبه ميِّتة والخطية ميِّتة فيه:
1. وقد أبطل سلطانه لكي لا نعود نُستَعْبَد أيضاً للخطية.
2. ومحسوب أنه (أي الجسد العتيق) ميِّت، والخطية شبه ميِّتة فيه، أي ليس لها قوة الإلقاء في جهنم. بمعنى أن الخطية شبه مقتولة فيه وليس لها قدرة السيادة أو الحكم بالموت.
3. وقد وهب الله الإنسانَ الجديد أن يتخلَّص من ثقل الخطية العاملة في الجسد العتيق بواسطة الاعتراف لمحوها من الضمير إلى الأبد.
هذه هي بركات الصليب التي ورثناها في جسدنا العتيق ذاته، وهو الإجراء العظيم الذي حصل عليه المسيح ضد الجسد العتيق وسلَّمنا الجسد العتيق شبه ميِّت من جهة الخطية، وأعمال الخطية فيه واقعة تحت الشطب المباشر والمحو من الضمير بالاعتراف بها وأخذ الحلّ عنها.
+ «وإن كان المسيح فيكم، فالجسد (العتيق) ميِّت بسبب الخطية، وأما الروح (الإنسان الجديد) فحياةٌ بسبب البر.» (رو 10:8)

وهكذا بنصرة الإنسان الجديد (الروح) انقلب الأمر، فبعد أن كانت الخطية تستعبد الإنسان أصبح الإنسان الجديد بمعونة الروح يستعبد الإنسان للبر. وهكذا تمّ القول: » إذ أُعْتِقْتُمْ من الخطية صرتم عبيداً للبر «(رو 18:6). وهنا قول بولس الرسول: » أقمع جسدي وأستعبده «(1كو 27:9)، يعني قمع جسده العتيق بالروح حتى لا يميل للشر ويستعبده بالنعمة لعمل الخير والبر والصلاح.
وبماذا نشبِّه هذا الذي عمله المسيح في جسدنا العتيق وفي الخطية؟
يُشبه إنساناً قد قُيِّد بقيود تحرمه من حرية إيذاء ذاته، وقد سلَّمه المسيح الخطيةَ مطعونة بالحربة ومكسورة شوكتها السامة ومنزوع السم منها، ولا تستطيع أن تُميت بعد. وسلَّمنا هذا الجسد العتيق مع الخطية ميِّتة فيه كأمانة في عهدة الإنسان الجديد:
+ » وإنما أقول: اسلكوا بالروح (بإرادة الإنسان الجديد) فلا تُكمِّلوا شهوة الجسد (العتيق). لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يُقاوِم أحدهما الآخر، حتى تفعلون (إرادة الإنسان العتيق) ما لا تُريدون (بحسب الإنسان الجديد). ولكن إذا انقدتم بالروح فلستم تحت الناموس (أي ليس تحت خطية أو دينونة). «(غل 16:5-18)
علماً بأن الإنسان الجديد هو خليقة الله التي على صورة خالقها في البر وقداسة الحق، وهي مُعانة وتحيا بالنعمة ومنقادة بالروح القدس، وقد استودعها المسيح قوة وصاياه لكي تعمل لحساب خالقها وتشهد له.
وأول الوصايا التي استعلنها بولس الرسول لكي يمارسها الإنسان الروحي بالنعمة التي فيه، هي قمع الجسد العتيق واستعباده (1كو 27:9) ووضعه في حدوده الميِّتة التي رسمها له المسيح. فنحن استلمناه منه والخطية ميِّتة فيه، ولابد أن نسلِّمه له والخطية ميِّتة فيه:
+ «أميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الرديَّة، الطَّمع الذي هو عبادة الأوثان، الأمور التي من أجلها يأتي غضب الله على أبناء المعصية.» (كو 5:3و6)
هذه الوصية حينما يسمعها الإنسان الذي وضع في نفسه أن يجاهد ضد الخطية يقف حائراً: أيُّ أعضاءٍ نُميت، وهي خطايا كالنار إذا تلامس الجسد معها التهب كله بها كالنار! فالإرادة حاضرة، نعم، والتصميم على حياة القداسة والبر موجود؛ ولكن أن يعمل الإنسان، فإنه يجد أن المهمة أعظم من إمكانياته.
فالمعروف أن الجسد العتيق متعاهد مع الخطية يحبُّها وتجذبه وينجذب إليها بسلطان يفوق إمكانيات الجسد العتيق. فالجسد معجون بالخطية وهي تنبض في كل خلية من جسمه، والمطلوب
منَّا أن نُميت أعضاءه التي هي كله!! فلن نستطيع أن نميت الخطية إلاَّ إذا أمتنا الجسد، والجسد لن يكف عن أن يعمل للخطية إلاَّ بالموت! هذا هو الذي رآه المسيح ونفَّذه.
بهذا أصبحت حقيقة كل أعمال إماتة الجسد التي نقوم بها بواسطة أعمال جسدية مهما عظمت واشتدت وبذلنا فيها الدم، لم ولن تجعل الجسد يكفّ عن الخطية، لأن الخطية عنصر قائم في الجسد.
ففي أحسن الأحوال إذا نجحت أعمال الجسد من قسر وقمع وتضييق شديد فإنها قد تتغلَّب على بعض الخطايا، ولكن لن ينجح إنسان في العالم في إبطال كافة الخطايا من الجسد (وإلاَّ ما كان المسيح قد رسم الصليب). والإنسان الذي ينجح في التغلُّب على بعض الخطايا بالجهد الذاتي وبالإرادة الصلبة فإنه يحس في أعماقه بأنه انتصر بالإرادة، في حين أن هذه الإرادة بالذات في المنهج الخلاصي يتحتم أن تموت بإنكار الذات لتنتصر النعمة ويصبح الخلاص بالنعمة. وحتى إن نجح واحد بالكف عن بعض الخطايا بجهاده الشخصي، فهناك آخر مجتهد جداً سيفشل وييأس ويستسلم.
هنا ينقذنا بولس الرسول من هذه الورطة الزمانية التي دوَّخت الأجيال لينقلنا من جهاد الجسد إلى جهاد الروح الذي هو عمل وموهبة الإنسان الجديد المُعان من الله والمسيح:
+ » ولكن إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون. لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله. «(رو 13:8و14)
هنا ارتفع بنا القديس بولس من دوامة الجسد العتيق الذي يستحيل أن نعتمد عليه في إبطال الخطية منه لأنها جزء حيّ فيه، ووضعنا في دائرة الإنسان الروحي الجديد الذي يحيا وينقاد بروح الله، وهذا من صميم عمله: » لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت. «(رو 2:8)
فالآن نحن نتيقَّن أننا متنا عن الخطية بصليب ربنا يسوع المسيح كما يقول بولس الرسول: » لأنكم قد مُتُّم (عن كل ما فيكم) وحياتكم مُستترة (الآن) مع المسيح في الله. «(كو 3:3)
نحن هنا لا نسعى في الحقيقة إلى تشديد الجسد العتيق ولا نأمل أن نوقف حركة الخطية فيه بالتجائنا إلى أعمال وقوانين جسدية. إن الجسد العتيق مُحال أن يميت الإنسان العتيق، إنها خدعة انخدع بها مئات وألوف من الوعاظ والمرشدين ووضعوا لها قوانين حرفية وتدريبات ومشورات لا تنتهي. في حين أن الجسد العتيق لن يُقمع إلاَّ بالروح، ولن يُحارَب إلاَّ بالكلمة التي هي سيف الروح، ولن يكون هناك منهجٌ كفؤٌ لإماتته إلاَّ الإنجيل وروح المسيح. فليس من المعقول أن نُحارِب عدواً ساكناً في أعضائنا ونحن نطعمه كل يوم بمخالفاتنا ونسقيه بجهالاتنا. فالإماتة هي إماتة بالروح وليس إماتة بالجسد.

والإماتة الروحية الحقيقية تبدأ حينما يبدأ الجسد الجديد يحس بوجوده ويستلم سلطانه على الذات ويُمارِس تقواه بالكلمة التي تزيده سلطاناً إلهياً قادراً أن يهدم حصوناً للعدو، كما يقول القديس بولس، ويستأسر كل فكر لطاعة المسيح (2كو 4:10و5). فالإنسان الجديد حينما تسكن فيه كلمة الإنجيل بغنى، ترفع من قدراته على مقاومة كل شهوات الجسد العتيق وكل الدنيا، ويتسامى بفكره فوق تصوُّرات الخطية ويتقدَّس كل يوم بقوة الكلمة، فتضمحل الخطية بكل حركاتها وتصوُّراتها من أعضاء الإنسان شيئاً فشيئاً. وهذا هو معنى: «أميتوا أعضاءكم التي على الأرض».
أما من جهة الصوم والصلاة والدموع والسهر وكل أعمال النسك الحميد، فهذه لم تَعُدْ أثقال الجسد العتيق نجرها وراءنا ونمارسها بالضيق والعبوسة والكآبة؛ بل هي في حقيقة الروح، زينة الإنسان الجديد، ومن صميم عمله الروحي ومسرته التي يجدِّد بها الحياة والتقوى كل يوم، يمارسها بالفرح والترتيل، فهي تعبير محبته للمحبوب، والذي يتقنها ما عاد يطيق أن يحيا بدونها حتى ولو صار شيخاً.
ولكن لعل أعظم وأقوى العوامل الإيجابية في حفظ حياة الإنسان المسيحي هو دراسة الإنجيل دراسة استيعاب وحفظ وتمرُّس مستعيناً بكل الكتب التي تشرح الإنجيل. علماً بأن السهر في قراءة الإنجيل هو للتأمُّل وتصوُّر حياة الإنسان مع الله منذ بدء سفر التكوين، حيث تصبح جميع قصص المكافحة لحساب طاعة الله وحبه شهوةً للنفس ومسرَّةً للروح. بل إن دراسة الكتاب المقدس هي لمعرفة دقائق أسرار الله والتعرُّف على فكر المسيح: » أما نحن فلنا فكر المسيح «(1كو 16:2). وهذا هو الذي يقوله بولس الرسول: » ولبستم الجديد (الإنسان) الذي يتجدَّد للمعرفة حسب صورة خالقه «(كو 10:3). فهنا معرفة أسرار الله والمسيح بدراسة عميقة متأنية لمزيد من المعرفة الروحية تدخل داخل القلب والذهن، فتُجدِّد بقوة النعمة والروح القدس الذي فيها فكر الإنسان ووعيه، وهكذا يزداد يوماً بعد يوم في معرفة المسيح عن قُرب فتلتصق نفسه به: » وُجِدَ كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي «(إر 16:15). ولعل أقوى الآيات التي عرفتها وقدَّستها وبَنَتْ حياتي هي قول المسيح: » الحق الحق أقول لكم: إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة. «(يو 24:5)
وهكذا تبقى معادلة الخلاص والصليب قائمة باعتبار أن قوة الحياة هي وحدها التي تقف في مواجهة الموت الذي تهدِّد به الخطية - والقداسة وحدها هي التي تُبْطِل الخطية - والإنسان الجديد هو وحده الخليق بإبطال حركة الخطية في الإنسان العتيق وانتزاع النصرة بمعونة الروح لتمجيد الله.
وإلى هنا نكون قد انتهينا من متاهة الجهاد الجسدي التي أضلَّت أجيالاً برمتها.
(1999)





نشرت بمجلة مرقس عدد فبراير 1999


(*) نُشرت المقالة الأولى في العدد الماضي (يناير 1999) بعنوان: 1 - “رسالة للخطاة فقط”.

الاثنين، 14 أكتوبر 2013

منهج الحياة المسيحية



الاب متى المسكين

35 بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئاً فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيماً وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ. 36 فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ. 37 وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ. 38 أَعْطُوا تُعْطَوْا كَيْلاً جَيِّداً مُلَبَّداً مَهْزُوزاً فَائِضاً يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ».
لوقا 6 : 35 – 38

انجيل هذا الصباح يا احبائى ثلاثة اعداد , لكن يحوى كل منهج المسيحية . ثلاثة اعداد .
و الانسان حينما يتكلم عن وصايا الرب , يشعر بالعجز و القصور الشديد , ما اصعب هذا اليوم عليا , حين اتكلم عن وصايا الرب و نحن لم نكمل شيئ منها , لكن نحن مرتبطين بكل كلمة يقولها الرب , لابد ان نفهمها و نشرحها .

ثلاث اعداد فيها ثمان وصايا , ستة منهم بالايجاب و اثنين بالنهى .

بالايجاب :
1) أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ
2) وَأَحْسِنُوا وَ
3) أَقْرِضُوا
4) فَكُونُوا رُحَمَاءَ
5) اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ
6) أَعْطُوا تُعْطَوْا

وكل واحدة لها صفات مكملة .
اما النواهى :
1) وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا.
2) لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ

فى الحقيقة مقسومة الوصايا اثنين و بحكمة , فالوصايا الايجابية موجهه للانسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر و قداسة الحق . وصايا له و هو لها , فى الحقيقة . اما الوصايا التى تعتبر نواهى فهى لردع الانسان العتيق و وضع حدود له و ايقافه عن عملة , لان بالوصيتين السلبيتان دول , ممكن يلوث كل الوصايا الايجابية . فننتبه . و طبعا كما قلت لكم ان هؤا منهج كامل , فسوف اضطر ان اعبر عبور على كل ما فية , دونما شرح .

الوصايا الايجابية كلها , تستحيل شكلا و موضوعا على اى انسان يعيش بفكرة و طبيعتة العتيقة , محكوما علية بالذات و بالخطيئة . و المحك ..... احبوا اعدائكم .

المحبة :
اى انسان يعيش فى خطايا , يستطيع ان يحب عدوه ؟؟؟؟ هذا هو المحط الذى وضعة السيد المسيح و هو محك فاصل , كى ننتبه و حينما نحاول و نحن لم نأخذ الانسان الجديد , نرتدع و نعرف اننا فى الخارج , كى نحاول ان ندخل .

مجبة الاعداء شيئ تنفرد به المسيحية , كصفة خاصة بالخليقة الجديدة , التى هى على صورة خالقة فى البر و قداسة الحق , كما ذكرنا قبل ذلك .
ما معنى هذا  ؟ معناه , ان الذات التى تتأثر بالعداوة , و تنفعل لها و تتحفز ضدها , ليست موجوده . يعنى يستحيل تكون الذات موجودة التى لها هذه الصفات , تستطيع ان تتجاوز نفسها و تحب العدو . حيث احتمال التنازل , و البذل حتى الموت وارد , لان الذات غير موجودة . معناها ايضا ان عنصر اخلاقى فائق للطبيعة , دخل الانسان . العنصر الفائق للطبيعة هو : محبة الله التى اسكبت فى قلوبنا بالروح القدس .
هذة هى المحبة التى هى مصدر اساسى لنحب به على مستوى العدو . هنا تكون محبة الاعداء عمل منعكس من على الصليب . حل فى طبيعتان و سلوكنا كفعل حى يعمل لحساب المصلوب , و لكن نحن نتواجه معه , مع هذا الفعل و مع هذا العمل و مع هذه الوصية بالذات , نتواجه معها كل يوم وجه لوجه , امام المذبح . حينما نتناول من الجسد و الدم , نحن نتناول نتيجة ذبح على الصليب , تم بيد اعداء , و بمحبة الاعداء . المسيح احب و اسلم ذاتة حتى الموت . الذين اماتوة و قتلوه هم الاعداء , و هو احبهم و غفر خطاياهم من على الصليب . كل مرة بنتواجه مع الجسد و الدم , بنتواحة مع " احبوا اعدائكم " .
تمت " المحبة" .

لاحظوا التسلسل , و ان الوصية الثانية متعلقة بالاولى .
 الوصية الثانية : احسنوا الى مبغضيكم :
احسنوا , مش مشتقة من حسنة ( صدقة )  , احسنوا الاصل بتاعها " Aghatho Peita"  اى " اعمل الصالح او يعمل الصالح " , فاحسنوا بمعنى عمل الصلاح و ليس بمعنى " حسنة لله " .
طبعا هى احسنوا الى مبغضيكم , هذه الوصية " احسنوا الى مبغضيكم " طبعا مترتبه اساسا و بالضرورة على احبوا اعذائكم , مستحيل ان انسان يحسن الى مبغضية و هو لا يحب اعداءه . الاثنين مربوطين ببعض , الاولى قائد و الثانية مقود .
قوة الاحسان للذين يبغضوننا بالصالح او بالصلاح و لا تجئ من فراغ , او تجئ من صنع الذات , هذا مستحيل ان الذات الداخلية تتحرك و تحسن الى المبغض , او الى الذين يبغضون , هذا امر مستحيل .

بل هى افراز من افرازات المحبة الكثيرة , المحبة بتفرز الاحسان للاخرين ( الميل الثانى للمحبة ) , المحبة عندما تكون ساكنة بالداخل , بتعمل عملها , فهى افراز من افرازات المحبة الالهيه التى سكنت الطبيعه الجديدة , و فتحت مغاليق احشائها على احسانات الله , التى بلا حصر و بلا عدد , فيأخذ و يعطى .  مافيش جهد , يعنى لا يحاول يقنع نفسه , انه يحسن الى مبغضية – لا يجد اقناع – مافيش جهد مبذول , لانة يأخذ و يعطى , لماذا ؟؟ لان احسانات الله قد اغرقته , فى حياتة , فى رجوعة الى الله , فى توبتة , رأى العجب من احسانات الله , من اجل هذا , عندما يحسن , ليس من ذاتة , و  لا من مفراغ , فهو يأخذ مما سبق و اخذ و يعطى .

الوصية الثالثة : وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئاً فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيماً وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ
هنا فى الحقيقة (paradox) تضاد  , مضاده , القرض – معناها انة بيسترد – ليس هناك انسان يقرض بدون ان يطالب بما قد اقرض – يسترده – ايضا المضادة الثانية , انى ليس هناك انسان يقرض انسان الا اذا كان على مستواه فى الكرامة , و المال .
مش ممكن واحد فقير , يقرض واحد غنى !!! و لا غنى يقرض فقير , لانة سيقول لنفسة انة لن يردها . فنحن هنا لا نتعامل مع الانسان العتيق او الانسان الطبيعى و اصولة فى المعاملات , بل الانسان الجديد الذى لا يستسيغ كلمة ( حسنة = صدقة = حسنة لله )  لا يستاسيغها . من اجل هذا وضعها السيد المسيح فى اطار كلمة القرض , بالرغم من انها ليست قرض , لانك سوف تعطى و لن تأخذ على مستوى القرض , على اساس انك لن تسترد , فكيف تكون قرض ؟؟ و كأن الله يقول لك , اعطى المحتاج و كأنك تقرضنى انا , هذا هو المفهوم تمام .
هناك اية ( الذى يرحم الفقير , يقرض الرب ) امثال 19 : 7  , و هى اية جميلة جدا جدا , فهو لا يستسيغ معنى الحسنة , فى نفس الوقت , لا يستسيغ مفهوم التعالى ان الغنى يعطى الفقير . فهما مفهومها , انك تعطى واحد فقير جدا , و احد محتاج جدا جدا , لكنك تعطية على اساس القرض , انكم كثل بعضكم البعض . فالسيد المسيح وضع هذه الوصية , مفهم ما فعلة هو فى حياتة , انة و هو غنى افتقر من اجلنا , فاعطانا هذه الوصيه على اساس اننا نقرض , بمعنى اننا فقراء , نعطى هذا الفقير الذى هو اغنى مننا . مفهوم عجيب , ولكنه مفهوم مسيحى رائع , و يدخل فى اطار الطبيعة الجديدة .
كذلك ان الاموال التى نعطى منها , التى نقرض منها , ليست لنا فى الحقيقة – بالنسبة للانسان المتجدد , او انسان المخلوق بحسب الله  , الذى اخذ الطبيعة الجديدة الروحانية , المولود من فوق – ماله ليس ملكة , فيقول : انا ليس لى مال , انما انا وكيل على عطية الله التى اعطاها لى , صحيح ان الله اعطانى كثيرا جدا , لكنها ليست ملكى , انا لست حر فى  اتصرف فيها  , انا عندما احس بصوت الله ان اعطى فحينئذ اعطى , فانا لا اعطى من عندى و لا اعطى برأئ , لكن يعطى على اساس الاية السابقة ( الذى يرحم الفقير , يقرض الرب ) امثال 19 : 7 
كذلك مفهوم مهم جدا فى القرض , انك بتفقد , من المحتمل انك بتفقد جزء كبير من مالك , حسنا , فالفاقد فى مفهوم الانسان الذى يعيش فى المسيح يسوع , ان كل فاقد يتحول الى كنز فوق , لذلك فهو يعطى بسرور , لانه شاعر ان فى عملية تحويل الى فوق , من بنك ارضى الى بنك سماوى .
كذلك ايضا , ليس فقط لو اقرضت , انما لو اخذت اموالك بدون ارادتك ( سلبت ) , يتحدث عنها بولس الرسول ( انتم الذين قبلتم سلب اموالكم بفرح ) ..... لماذا بفرح ..؟؟؟؟ لانة اخذ من هنا ليوضع فوق .

الرابعة : فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ
من ذاق الرحمة يرحم , و من لا يصنع رحمة , لا تجوز علية الرحمة فى السماء , ( ليس رحمة لم لا يعمل الرحمة ) . الانسان فى طبيعتى الاولى , يرحم , بس يرحم بنى الرحم يعنى اقرباءة , مثل اليهود , يستحيل يقرض او يعطى الرجل الغريب , لكن فى المسيح يسوع  شققنا الرحم الجسدى و خرجنا من اطارة و دخلنا فى رحم السماء , التى فيها الكل مولود من الله , من اجل هذا يرحم , لمن ليس من عندة , فلا يشعر انة يضحى من جسدة او امواله , ولكن بيأخذ و يعطى بالمفهوم .

مراحم الله , عندما تنسكب على انسان , فانها تجعله يرحم بشدة و بغزارة . يلاحظ هما ان المسيح تدرج للدخول للعمق , من محبة , الى احسان , الى اقراض الى رحمة . لو وضعناهم بجانب بعضهم و تأملنا فيهم , نجد ان الرحمة , مبنية على الثلاثة السابقين , تبنى على المحبة , وعلى الاحيان الذى مارسته , و على الاقراض الذى بلا عائد , فتأتى مباشرة الرحمة .

وهكذا تدخل الرحمة فى صفات الله , عن هذة الطريقة , انها تعطى و تعطى بسخاء , فطبعا هى ليست لبنى الانسان .

هنا ( كونوا رحماء )  , بتحتمل معنى , ان الانسان عندما يجد اخوة فى ضيق , او فى شدة او فى تعب , ليس فقط يرحم من عنده , انما يحاول ان يشترك مع ضيقه الاخرين , يشترك فى ضيقتة , يشترك فى حزنة , يشترك فى دموعة ( فرحا مع الفرحين , بكاء مع الباكين ) .
ليس فقط يحاول ان يتبنى ضيقتة , و يحملها معة , انما بعد ان يتقدم قليلا , يحاول ان يحمل هذة الضيقه عنة . هذة هى الرحمة فى مفهومها الواسع .

الخامسة : وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُو
هذة الوصية خطيرة , الانسان الذى لا يدين هو الانسان الذى يسعى لكى ترفع عنه الدينونه , واضع عينه عليها , خائف منها و مرعوب منها . طالما انه حاصر الدينونة فى نفسة , تجد ان الدينونه اصبحت سهله علية , انه يتغلب عليها من جهة الاخرين , لكن اذا كانت غائبة عنه و عن سعيه , من العسير انه يغفر , فالانسان الذى يسعى ان ترفع  من علية الدينونه , هذة الايه او الوصية جاهزة مجهزه للانسان المسيحى " لا دينونه الان على الذين هم فى المسيح يسوع , السالكون ليس حسب الجسد , بل حسب الروح " . ايضا فى الانسان الجديد .
الانسان الذى لا يدين , بيتعلق بالاية التى قالها داوود النبى : " طوبى للذى غفر اثمة ( بيشتهى شهوه )  , و سترت خطيتة , طوبى للرجل الذى لا يحسب له الرب خطيه و لا فى روحه غش  " . فهو عايش فى هذا الجو الذى يشتهيه , فيصبح من السهل عليه انه يتخطى عثرات الاخرين .
ايضا كل واحد تحت ثقل الدينونه , بسبب خطاياه و ان لم يكن ساعى للخروج من نطاق الدينونه المحاصرة له , لا يستحيل انه بستطيع ان لا يدين بفكره , حتى و ان صمت بفمه , ففكره و قلبه يعملان , و يظهر كأنه لا يدين , لكن عدم الدينوه هذة , يجب ان ننتبه لها , فهى صفة من صفات الله , لان الديان الوحيد هو الله , لا ديان اطلاقا الا الله , و هو ايضا الوحيد الذى لا يدين ,  فكون اننا لا ندين , فمعناها اننا لابد و اخذنا صفة من الله , فهى صفة الله , عدم الدينونة هى صفة الله , و كل من يولد منه طبعا .
كلام السيد المسيح هنا حلو جدا فى هذى الايه : " كل من يسمع كلامى و يؤمن بالذى ارسلنى , له حياه ابدية , لا يأتى الى دينونه , بل يكون قد انتقل من الموت الى الحياه " .
فمن دخل كلام المسيح الى اذنة و دخلته روح الحياه , هذا لا يأتى الى دينونه و لا يعيش فيها مره اخرى , لا بالنسبة له و لا بالنسبه للاخرين .
من يسعى لصفح خطاياه , و ان يرفع من علية سيف الدينونه , يشتهى الصفح ايضا للجميع , و يطلب الغفران للكل . عدم الدينونه مربوطة بالرحمة , الوصية التى سبقتها مباشره , لانة يستحيل ان يكون لانسان رحمة فى قلبة و شفقه على الاخرين , انه يدينهم , هذا امر مستحيل , من اجل هذا اقول لكم انتبهوا , باحكام الهى نادر المثال , فى هذه الثلاث اعداد , وضع المنهج المسيحى , مل واحده تابعه و مرتبطة بالاخرى .
فالذى تثقل بهموم و ضعفات الخطاه , و انسكبت احشاء رحمه الله فى قلبه تجاه الاخرين , كيف يدين ؟؟ مستحيل , بل يتمنى لو يحمل الدينونه عن الاخرين . فى بعض الاحيان تدخل الانسان هذة الرعشة , انه يتمنى لو انه يدخل الدينونه من اجل الاخرين و ينجوا الاخرين , كما قال بولس : انه اتمنى انا , ان اكون محروم من اجل اخوتى و انسبائي بالجسد " , عوض الدينونه بالنسبه للانسان الرحيم , يمتلئ قلبه بالانين و الهم عليهم , لان روح الفديه تسود علية " احملوا بعضكم اثقال بعض و كهذا تمموا ناموس المسيح .

السادسه : لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ
هنا الدينونه تبداء فى الفكر و تنتهى عند اللسان , ليست بقوه القضاء , فالقضاء يبدئ من القلب , و يرسخ فيه و ينتهى عند المحكمه .
لذلك القضاء اشنع كثير جدا من الدينونه , و القضاء سواء بقى فى القلب او انتهى فى القضاء , يبداء بخسارة و ينتهى بخسارة .

مهما كانت المكاسب الشكلية , فهزيمة المغتصب تكون قد ضيعت اعز و اغلى وصيه فى المسيحيه ( احبوا اعدائكم ) , ان انت انتصرت علية و كسبت القضية , راحت منك احبوا اعدائكم .
المحبة لا تحتمل روح القضاء , فالسيد المسيح وضعها بعد الدينونه , لانها ثقيله , لا تحتمل روح القضاء , روح القضاء فى القلب , يقتل المحبة قتلا , لا يمكن ان يحيا الاثنين سويا .

السيد المسيح وضع حدا لروح القضاء من اول خطوة , " كن مراضيا لخصمك ما دمت معه فى الطريق " من الاول خالص , ان عفيت , ربحت نفسك و الخصم , و ربحت رضى الله و الضمير . و ان لم تعفوا , خسرت نفسك و حتى الفلس الاخير , و كرست العداوه داخل قلبك و قلب عدوك , حتى و ان ربحت قضيتك على الارض , تكون خسرتها فى السماء .

السابعه :  اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ
لا يغفر الخطاء و الخطية الا من يسعى لمغفرة خطاياه , و يكون قد اكرم مفهوم الاعتراف بالخطيئة , و الندامه عليها , وسكب الدموع بلا كيل , لينال لنفسه مثل هذا الغفران , فان ذاق قوة المغفرة يشتهيها للاخرين . و اذ يشعر بعظم و كثرة خطاياه المرفوع صلواتة و توسلة به لدى الله لنوال الغفران , تصبح خطايا الاخرين من نحوة لا تستحق ان يقف عندها او يتمسك بها .
اما الذى لا يكرم الاعتراف , و الاقرار بخطاياه و يطلب الصفح عنها , فانة لا يقدر قيمة غفران الخطايا حتى ولو تكلم عنها .
غفران الخطايا تسبق القدرة على عدم الدينونه , مش ممكن واحد يغفر الخطايا و يدين ايضا , فان غفرت , صعب ان تدين , و صعب تقاضى . فالذى استطاع ان يغفر لا يمكن ان يدين .
و المقايضة التى يضعها المسيح هنا " اغفروا يغفر لكم "...... هذه مقايضة عاليه جدا عن النسبة , فاثنان ليسا على نفس المستوى ابدا . فنحن نغفر التوافه , توافه الاخطاء و الهفوات , التى يصنعها الاخرون معنا , لا تقاس بالخطايا الرواسي كالجبال فى القلوب , و التعديات المخفية داخل ضمائرنا , ضد الله و الحق , طبعا لا يوجد ميزان او نسبة , و لذلك عندما يقول اغفر علشان انا اغفر خطاياكم , فهو بيتحين فى الصغيرة من اجل ان يعطينا الكبيرة , و الناصحين عرفوها , فكذلك لا يقدر انسان ان يغفر الخطايا من كل قلبة بحق , و من ضميره بحق , الا الذى خرج من العالم , الذى باع , باع نفسة للذى اشتراه و ثبت وجهه نحو السماء .

الثامنة : أَعْطُوا تُعْطَوْا كَيْلاً جَيِّداً مُلَبَّداً مَهْزُوزاً فَائِضاً يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ
الذى عاش فى الفلاحين , شاف الناس و هى بتكيل القمح , و الذرة ...الخ , فيمسك بالكيلة ,
اول حاجة , يقلبها و يراها مختومه مضبوط ؟ اذن فهو كيل جيد
ثانى حاجة  , ملبد , يظل يملئ حتى يعرض ,
ثالث حاجة , يهزه , وبعدين يضع مرة اخرى , ثالثة و يتمادر بنوع من السخاء الكاذب , و يضع و يفيض , يضع مره اخرى و يفيض , ثم يطلب من الاخذ ان يحمل العطية و يرحل . هذا هو تضوير بديع لمفهوم الكيلة ( جيد , مبلبد , مهزوز فائض , يعطون فى احضانكم )  , و للتوضيح اكثر , فعلى غرار الفلاحين , الغنى يطلب من الاخذ ان يفرد جلبابة او الشيىء الذى يأخذ فية , يملئه له و يرحل هذا الفقير .
ليس من فراغ و لا من سخاء الذات يعطى الانسان الاخرين بهذا الكيل , الانسان بطبيعتة محب , لذاتة و العطاء اصعب شيئ عنده , لذلك فالعطاء هو صنعة من استؤمن على مخازن سيده الملآنة خيرات , و الذى احس بكوى السماء المفتوحه علية و التى تفيض حتى لا متسع .
و المقصود طبعا هنا , هى خيرات الروح و فيض النعمه , فذلك فهو يعطى بلا  طيل لانة يأخذ بلا كيل .
ليس بكيل يعطى الله الروح , ليس جزافا ان يذكر السيد المسيح هنا العطاء بالكيل الجيد , الملبد , المهزوز , الفائض , و هو بيوصف روحيا مش ماديا ..... من اين نأتى بتلك الاشياء , و يذكرها فى اخر الوصايا لانها محصله جميع الوصايا التى ذكرت سابقا , العطية بسخاء .

فهذا الكيل فى الحقيقة هو ملئ المسيح , ( و من ملئه نحن جميعا اخذنا ) , و من الملء نفيض , و لربنا المجد دائما ابديا امين .

منقوله عن موقع الاب متى المسكين
على انجيل الاربعاء – من الاسبوع الاول من الصوم المقدس : لوقا 6 : 35 – 38