الاب متى المسكين
كان
الخطاة، ولا يزالون، هم رسالة المسيح الخاصة والهامة جداً، وهي التي أحدرته من
السماء، من حضن الآب. فلأجل البشرية الخاطئة نزل المسيح من السماء وجاء إلى
العالم.
كان يوماً سعيداً مُفرحاً
الذي فيه رأى المسيح زكَّا رئيس العشَّارين جالساً على الفرع العالي لجميزة،
محاولةً جادةً منه ليرى المسيح عن قُرْب، وهو يعبر من تحتها في طريقه إلى أريحا.
فكانت اللفتة البديعة من المسيح حينما رآه وخاطبه: » يا زكَّا أسرع وانزل،
لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك. «(لو 5:19)
ولاوي أيضاً - مثل زكَّا - كان رجلاً خاطئاً، لأنه كان عشَّاراً، مهنةٌ
فيها الاختلاس والسرقة والاختلاط بالأُمميين. دخل المسيح بيته، فعَمِلَ لاوي
وليمةً، ودعا إليها بالضرورة عشَّارين كثيرين وخطاة آخرين. المسيح جلس وأكل وشرب
مع هؤلاء الخطاة، وكان متلطِّفاً معهم، الأمر الذي هيَّج غيظ الكتبة والفرِّيسيين
وعيَّروا التلاميذ: معلِّمكم يأكل مع الخطاة. هنا جاء الرد الذي نسعى إليه من هذه
القصة: »
فأجاب
يسوع وقال لهم: لا يحتاج الأصحَّاء إلى طبيب بل المرضى. لم آتِ لأدعو أبراراً بل
خطاةً إلى التوبة. «(لو 31:5و32)
المسيح جاء من أجل الخطاة. إنه نزل من السماء
وتجسَّد، بل وتألَّم وصُلِبَ ومات على الصليب من أجل الخطاة فقط. كانت الآلام التي
تحمَّلها والمهانة التي سُكِبَتْ عليه قاسية للغاية، كل ذلك من أجل الخطاة. ونظرة
القديس بطرس هنا تُعتبر المحور الأساسي الذي بُنِيَ عليه اللاهوت المسيحي: «الذي
حَمَلَ هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة» (1بط 24:2). أما كيف كان ذلك،
فباختصار شديد نقول: إنه حوكم في محكمة اليهود وأُلصقت به خطايا كثيرة، فلم يَرُدّ بكلمة بل بَقِيَ صامتاً، وحوكم أمام المحكمة الرومانية وقُدِّمتْ ضدَّه اتهامات بخطايا كثيرة وثقيلة. فلمَّا طلب منه بيلاطس أن يجاوِب على هذه الاتِّهامات، لم يُجاوِب، ولم يُدافع عن نفسه، مما أذهل القاضي الروماني بيلاطس؛ ولكن السرّ احتفظ به المسيح لنفسه، إذ تقبَّل جميع الخطايا التي وُضِعَتْ عليه، فجاء الحكم بالصَّلْب على المسيح بناءً على كل هذه الخطايا. وبذلك يكون حُكم الصَّلْب قد جاء باستحقاقٍ، رَضِيَ به المسيح، ورَضِيَ أن يُصلب ويموت وهو حامل الخطايا في جسده الممزَّق على الصليب. ولكن جسد المسيح هو جسد البشرية، والخطايا التي وُضِعَتْ عليه هي خطايا البشرية، والموت الذي قَبِلَه بالجسد هو بالحقيقة الموت الذي استحقَّته البشرية كحكم الله على آدم وذريته جميعاً. والموت الذي حكم به الله على آدم، فصار على بني آدم جميعاً، لم يكن موت الجسد الترابي الزمني، بل كان حكماً بالموت الأبدي والحرمان الأبدي من الله. فالمسيح جاز، والبشرية فيه، عقوبة حكم الموت هذا، فتبرَّأنا من الحكم واللعنة.
فباختصار شديد نقول: إنه حوكم في محكمة اليهود وأُلصقت به خطايا كثيرة، فلم يَرُدّ بكلمة بل بَقِيَ صامتاً، وحوكم أمام المحكمة الرومانية وقُدِّمتْ ضدَّه اتهامات بخطايا كثيرة وثقيلة. فلمَّا طلب منه بيلاطس أن يجاوِب على هذه الاتِّهامات، لم يُجاوِب، ولم يُدافع عن نفسه، مما أذهل القاضي الروماني بيلاطس؛ ولكن السرّ احتفظ به المسيح لنفسه، إذ تقبَّل جميع الخطايا التي وُضِعَتْ عليه، فجاء الحكم بالصَّلْب على المسيح بناءً على كل هذه الخطايا. وبذلك يكون حُكم الصَّلْب قد جاء باستحقاقٍ، رَضِيَ به المسيح، ورَضِيَ أن يُصلب ويموت وهو حامل الخطايا في جسده الممزَّق على الصليب. ولكن جسد المسيح هو جسد البشرية، والخطايا التي وُضِعَتْ عليه هي خطايا البشرية، والموت الذي قَبِلَه بالجسد هو بالحقيقة الموت الذي استحقَّته البشرية كحكم الله على آدم وذريته جميعاً. والموت الذي حكم به الله على آدم، فصار على بني آدم جميعاً، لم يكن موت الجسد الترابي الزمني، بل كان حكماً بالموت الأبدي والحرمان الأبدي من الله. فالمسيح جاز، والبشرية فيه، عقوبة حكم الموت هذا، فتبرَّأنا من الحكم واللعنة.
أما المسيح فبعد أن جاز الموت بنا ونحن فيه
وتبرَّأنا، لم يُمْسَك من الموت، أي أن الموت لم يَمسك فيه، فهو الإله وابن الله،
ولم تكن عليه ولا خطية واحدة. فخطايا البشرية التي حملها كانت بمثابة استعارة
أخذها حقيقةً على جسده القدوس ليمحوها بالموت. فلما أكمل الموت لثلاثة أيام وتلاشت
كل خطايا البشرية، قام والبشرية فيه مبرَّأة من كل خطية وحائزة على بر المسيح
الشخصي الذي ناله بخضوعه وطاعته للآب حتى الموت، أي أقامنا معه في جسده مبرَّئين
ومبرَّرين.
ولكن لا يفوتنا، أنه بتجسُّد المسيح، اتَّحد بالبشرية، فلما
تألَّم اشتركت البشرية في آلامه ووفَّت حق التأديب. ولَمَّا مات ماتت البشرية
العتيقة فيه، فأكملت حكم الموت الذي عليها. لذلك لَمَّا قامت البشرية فيه قامت بلا
خطية وغالبة الموت. ولكن المسيح قام غالباً الموت والهاوية، فاستُعلنت الحياة
الأبدية التي كانت فيه، واشتركنا نحن فيها باتحادنا فيه، وبالتالي استُعلنت فيه
بنوَّة الله، كما قال القديس بولس إن المسيح: » تعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة،
بالقيامة من الأموات «(رو 4:1)؛ فتعيَّنا نحن
بالتالي، ونحن فيه، أبناءً لله!
+ » إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف، بل
أخذتم روح التَّبنِّي الذي به نصرخ: يا أَبَا الآب. الروح نفسه أيضاً
يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فإن كنَّا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله
ووارثون مع المسيح... «(رو 15:8-17)
وغرضنا من هذه الرسالة
يتوقَّف عند: » الذي حَمَلَ هو نفسه
خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبرِّ
«(1بط 24:2). هذا
العمل عمله المسيح ليبقى قائماً دائماً إلى الأبد. فالخطية لم يَعُدْ لها سلطان
الموت على الإنسان الذي آمن بالصليب والموت والقيامة. لقد كُسِرَتْ شوكة الخطية:
» أين شوكَتُك يا موت؟ أين غَلَبَتُكِ يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية، وقوة الخطية هي الناموس «(1كو 55:15و56). فلا الخطية تميت، ولا الموت له سلطان على أولاد الله المؤمنين باسمه.
» أين شوكَتُك يا موت؟ أين غَلَبَتُكِ يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية، وقوة الخطية هي الناموس «(1كو 55:15و56). فلا الخطية تميت، ولا الموت له سلطان على أولاد الله المؤمنين باسمه.
+ والسؤال
الذي يسأله الإنسان الحائر: هل لم يَعُدْ للخطية وجود؟ الجواب: الخطية موجودة،
ولا يمكن لإنسان ما أن يقول إنه ليس خاطئاً. ولكن، أولاً: الخطية لم يَعُدْ
لها سلطان الموت الأبدي؛ ثانياً: » إن جميع الخطايا تُغفر لبني البشر «(مر 28:3)، » إن قلنا إنه ليس لنا خطية نُضِلُّ أنفسنا
وليس الحقُّ فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا
ويُطهِّرنا من كل إثم. «(1يو 8:1و9)
لقد استبدل لنا
المسيحُ موتَ الخطية باعترافنا بالخطية، لتُمحى لنا، ويُطهِّرنا من كل إثم.
فالمسيح مات ونحن معه ثمناً للخطية، فانتهى سلطان الموت على الخطاة. إذن،
فالاعتراف بالخطية هو الوسيلة الوحيدة الآن لكي يُطهِّرنا المسيح أولاً بأول من كل
خطية.
+ ويسأل
الإنسان الحائر: وما حكم الضمير الذي يستبد بفكر الإنسان ويوقعه في اليأس؟ الجواب:
إن كان دم المسيح قد سُفِك من أجل الخطية والخطاة، فهو الوحيد الذي له السلطان
بدمه المسفوك أن يطهِّر: «فكم بالحري يكون دم المسيح، الذي بروح أزلي قدَّم نفسه
لله بلا عيب، يُطهِّر ضمائركم من أعمال ميِّتة...» (عب 14:9). هنا الأعمال
الميِّتة هي هي الخطايا، فهي ميِّتة لا قوة لها على إدانة الإنسان، لأن المسيح لم
يَعُدْ يدين الخاطئ بعد أن صُلِبَ من أجله ودفع ثمن كل خطاياه على الخشبة. فأصبح
ليس من الجائز أبداً للإنسان الخاطئ المتقدِّم للمسيح أن يحمل همَّ خطيته في
الضمير، لأن المسيح قد دفع ثمنها دماً.
+ ويسأل الإنسان الحائر: إن كنَّا نشعر بأن
الخطية قد انتُزِع سلطانها فلم تَعُدْ تُميت، وإن كنَّا لا نسمح للضمير أن تنهكه
الخطية بوعيدها وتهديدها؛ أليس ذلك يُسهِّل على الإنسان اقتراف الخطايا؟ الجواب:
هذه نظرية وهمية، وهي أيضاً من صُنع العدو، لأن المعروف جداً أن الخوف من الخطية
يُضعف الإرادة ويُعطي للخطية صفة السيد الآمر المخيف، فتتزعزع ثقة الإنسان في نفسه
ويُسلِّم للخطية بلا مقاومة. أما الخوف فهو ينبغي أن يكون من الله كأب، الذي
يُشدِّد قلب الإنسان الضعيف ويجعله كقلب أسد. كذلك فالضمير المثقَّل بهمِّ الخطية
يضعف فيشلُّ حركة الفكر، فلا يعود للإنسان قدرة على المقاومة. وآية النجاة هي من
فم المسيح: » تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثَّقيلي الأحمال، وأنا أُريحكم. «(مت 28:11)
في
حين أن إعطاء الخطية صفتها الحقيقية أنها عاجزة عن أن تُميت الإنسان، ورَفْع صحة
الضمير بالاستناد على دم المسيح والتشبُّث بسلطانه الماسح والمُطهِّر؛ يجعل من
الضمير قوةً مُحاربةً ضد الخطية واستهزاءً بأوهامها الكاذبة، باعتبار أن عنصر الخطية
قد محاه المسيح محواً بدمه الطاهر.
+ ويسأل
الإنسان الحائر: وما هو عمل التوبة والتأديب؟
في
البداية وقبل كل شيء، نعلم أن المسيح قـد استوفى كل عقوبات وتأديبات الخطية، ثم
غلبها على الصليب وكسر شوكتها وداس الموت ذاته الذي كان قد أعطى الخطية بأساً وقوة
خطيرة مهددة. فلم تَعُدْ التوبة في الضمير المسيحي مجرَّد الكفِّ عن الخطية، لأنه
ماذا أعمل أنا بتوبتي عن الخطية بدون الإيمان بأن المسيح قد استوفى كل متطلبات
إلغائها والخلاص منها، بل ملاشاتها ودوسها بذبح نفسه على الصليب وقبول الموت من
أجلي؟ ولا نستطيع أن نُعطي أي قوة ولا فائدة ولا معنى للتوبة إلاَّ بمفهوم أن
التوبة هي العودة إلى المسيح، وليس بمفهوم أن التوبة هي مجرَّد الكفِّ عن الخطية؛ لأن
الكفَّ عن الخطية هذا من عمل نعمة المسيح. ولكن الذي علينا هو أن نضبط الجسد
ونحكمه ونسود على حركاته: » أقمع جسدي وأستعبده... «(1كو 27:9) بكل أنواع الأصوام والأسهار والصلوات وبقية أعمال النسك
المحمودة. على أن التوبة، أي العودة إلى المسيح، تحمل قوة الغلبة على الخطية
وملاشاة كل حركاتها وسلطانها وآثارها في الضمير.
فالتوبة ليست
مجرَّد عدم العودة إلى الخطية أو الكفّ عنها، بل هي عودة إلى المسيح. فإذا عُدتُ
إلى المسيح بقلبي تكون قد انتهتْ كل مشاكلي، وأُلغيتْ الخطية من قاموس ضميري. فنحن
بالمسيح أعظم من منتصرين. وينتقل الإنسان من أوهام جدوى التوبة عن الخطية بدون
المسيح، إلى البشارة بالتوبة باعتبارها
العودة إلى المسيح. أما كل ما نستحقه من تأديب فقد دفعه المسيح، و» تأديب سلامنا عليه. «(إش 5:53)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق