للأب متى المسكين
قيمة
الخاطئ عند المسيح:
الخاطئ عند المسيح هو الابن الأصغر الذي أعدَّ له أبوه العجل المسمَّن
والوليمة وخاتم الخطبة، وهو متلهف على عودته ورؤياه. قد يظهر للكاهن والواعظ أن
الخاطئ هو إنسان يحتاج إلى توبيخ وتأنيب وتأديب، أما المسيح فلسان حاله بالنسبة
للخاطئ هو: يا بُنيَّ خطيتك عليَّ، لا تحمل همَّ العودة، تعالَ وأعظم ما عندي هو
لك، إن ملائكتي كلها تفرح بقدومك، لا تفكِّر في تقديم الاعتذارات فأنا أحبك ولستُ
محتاجاً إلاَّ لك، فتعالَ وسأولم لك وليمة وأفرح بك.
قد
يظهر للكاهن والواعظ أنه وسيط بين الخاطئ والمسيح، هذا غير صحيح، فبين الخاطئ
والمسيح الصليب والدم المسفوك، ولا يستطيع أحد أن يتشفَّع من أجل الخاطئ، فهو أعز
إنسان عند المسيح ويساوي عنده الصليب! وكل ما يعوز الخاطئ من الكاهن والواعظ هو أن
يرى فيهما المسيح وحب المسيح ومشاركة المسيح، ووليمة العجل المسمَّن.
فما
على الكاهن والواعظ إلاَّ أن يُقدِّم الخاطئ إلى المسيح، ويقدِّم المسيح كأب حقيقي
للخاطئ!
- “كأب حقيقي تعبتَ معي أنا
الذي سقط... كنورٍ حقيقي أشرقتَ للضَّالين وغير العارفين.”
(القداس الغريغوري)
كان المسيح يبادر الخاطئ بقوله: “مغفورة لك خطاياك”، فيُشفى! ولم يكن
على الخاطئ كمريض إلاَّ أن يأتي إلى المسيح ليشفيه، فيقول له المسيح: “مغفورة لك
خطاياك”. إن أعظم هدية وأعظم قوة وأعظم شفاء يقدِّمه الكاهن للخاطئ هو أن يُبادره
بقوله: “مغفورة لك خطاياك”!!!
والمسيح لما أعطى الرسل ومن بعدهم الأساقفة
والكهنة السلطانَ أن يغفروا الخطايا، كان كل ما يريده المسيح من ذلك أن الخاطئ
حينما يسمع من فم الأسقف أو الكاهن: “مغفورة لك خطاياك”، يثق في الحال أن خطاياه
قد غُفِرَتْ في السماء وصار ابناً لله. أي أن المسيح أراد من هذه الوصية أن يُفرِّح
قلب الخاطئ ويُدخِل في قلبه الاطمئنان والثقة أن الله قد غفر له خطاياه. أما مَنْ
هو الذي تُمسَك خطاياه، فهو الذي لم يؤمن بعد بدم المسيح أي بموته وقيامته، لأن
غفران الخطايا لا يقوم إلاَّ على دم المسيح المسفوك. أما مَنْ خرج عن الإيمان و» داس ابن الله، وحَسِبَ دمَ العهد الذي قُدِّس به دنساً،
وازدرى بروح النعمة «(عب 29:10)؛ فقد وقع في الدينونة.
أما ما هي الخطية التي تُغفر والخطية التي لا
تُغفر؟ فالردُّ على ذلك من قول المسيح نفسه: » كل خطية وتجديف يُغفر للناس، وأما التجديف على
الروح فلن يُغفر للناس «(مت 31:12)، لأن بدون الروح القدس لا يستطيع
أحد أن يقول إن المسيح ربٌّ، أي أنه العامل الأساسي في الإيمان بالمسيح وبدم
المسيح.
وما على الخاطئ إلاَّ أن يسرد خطاياه على الكاهن دون الدخول في
التفاصيل - لأننا لسنا بصدد علم التحليل النفسي - لأن القصد الأساسي من سرد الخطايا هو أن يُقرَّ
بها الخاطئ أمام المسيح!!! وأما التفاصيل فالمسيح يعرفها أكثر من الخاطئ.
+ ويسأل الإنسان
الحائر: وما الحكم في العودة المتكررة إلى الخطية؟ الجواب: هو بسبب التعوُّق في
الدخول تحت النعمة، لأن الذي يدخل تحت النعمة لا يعود للخطية بعد سلطانها المُخِل
على إرادته: «فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة» (رو
14:6). ولكن إلى أن تسود النعمة فتكرار الخطية لن يزيد من قيمة الخطية حتى ولو
بلغت “سبعين مرة سبع مرات” كقول المسيح لبطرس الرسول (مت 22:18)، فهي دائماً تحت
سلطان الغفران المستعد. أما الذي يزيد من قيمة الخطية فهو الاستهتار بقوة الغفران،
وبالتالي بدم المسيح! على أنه استحالة أن نكون تحت النعمة ونخطئ.
+ ويسأل الإنسان الحائر: وما حكم الذي يستكثر
خطاياه ويحس بأنها لا تُغفر؟ الجواب: الذي يتحتَّم أن يسمعه هذا الخاطئ ويسمعه كل
إنسان، أن الخطية قد فقدت وجودها وسلطانها ورعبتها على الصليب نهائياً وإلى الأبد. فالخطية الآن لا تُميت لأن
المسيح قد مات من أجل الخاطئ وكل الخطايا مرَّة واحدة، فعملها وتأثيرها انحصر في
الإنسان العتيق. أما الإنسان الجديد الذي هو الخليقة الجديدة للإنسان بالقيامة من
بين الأموات الذي أخذناه بالمعمودية والاشتراك في جسد المسيح ودمه، هذا الإنسان
الجديد لم يَعُدْ قابلاً للخطية: «كل مَنْ وُلِدَ من الله لا يُخطئ» (1يو 18:5)،
لأن طبيعة الإنسان الجديد فينا الآن سماوية؛ لأنه بعد ما لَبِسنا الأرضي من آدم،
نلبس السماوي من المسيح (1كو 49:15). فهذه الطبيعة الجديدة فينا من طبيعة ابن الله
المُقام من بين الأموات، من لحمه ومن عظامه، التي كشفها لتلاميذه في العليَّة: » انظروا يديَّ ورجليَّ: إني
أنا هو. جسُّوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما تَرَوْنَ لي «(لو 39:24). لهذا قال بولس
الرسول: » لأننا
أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه. «(أف 30:5) فالمسيح بعد أن
قام من بين الأموات وقمنا نحن معه لندخل الحياة الأبدية، لا يسود عليه الموت بعد
كما قال القديس بولس (رو 9:6)، ولا يسود علينا الموت نحن أيضاً، وبالتالي
لا تسود علينا الخطية - كما قلنا سابقاً - لأننا دخلنا نعمة المسيح ونحيا فيها الآن: » فإذ قد تبرَّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع
المسيح، الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول بالإيمان، إلى هذه النعمة التي نحن فيها
مُقيمون، ونفتخر على رجاء مجد الله. «(رو 1:5و2)
لذلك
يقول القديس يوحنا:
+ » كل مَنْ هو مولود من الله
(بالمعمودية) لا يفعل خطية، لأن زرعه (زرع الله هو روح الله) يثبت فيه، ولا يستطيع
أن يُخطئ لأنه مولود من الله (من فوق، من الماء والروح، بالمعمودية). «(1يو 9:3)
+ والسؤال: وما هذه
الخطية التي نفعلها كل يوم؟ هي خاصة بالجسد العتيق المولود بالخطية، ومن تأثير
العالم، وسوف يفنى هذا وذاك. أما نحن المولودين من الله المدعوين أولاد الله، فنحن
لسنا من هذا العالم، بل نشهد ضده؛ ولسنا من طبيعة هذا الجسد العتيق الترابي بعد،
بل نقمعه ونستعبده، وقد أخذنا بالروح الإنسان الجديد فينا الباقي إلى الأبد الذي به
سنرث مع المسيح في ملكوت الله ولنا ثمار الروح تشهد لنا.
معنى ذلك أن خطايا الجسد العتيق انحصرت في الزمن الحاضر، نعترف بها
لنأخذ عنها الحلّ والغفران، ولكنها لا تقوى على الإنسان الجديد لتُحدره إلى الموت
أو الدينونة، لأنه دخل الحياة الأبدية مع المسيح بالقيامة، فصار بمعزلٍ عن الموت
الأبدي نهائياً، واتَّحد بالمسيح، فيستحيل أن
يدخل الدينونة: » لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع. «(رو 1:8)
يدخل الدينونة: » لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع. «(رو 1:8)
علماً بأننا لن ندخل الملكوت بالإنسان العتيق الترابي، لأن مآله إلى
الموت الزمني والفناء: » لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت «(1كو 53:15). لذلك دعا
القديس بولس الخطايا أنها أعمال مائتة لا سلطان لها على إيذاء الضمير: » فكم بالحري يكون دم المسيح،
الذي بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب، يُطهِّر ضمائركم من أعمال ميِّتة لتخدموا
الله الحي» (عب 14:9).
عزيزي الخاطئ، » استيقظ... وقُمْ من الأموات فيُضيء لك المسيح «(أف 14:5)، وقُمْ اخدم!!
(أكتوبر
1997)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق